طفل مؤمن (مسلم شجاع مقدام لا يخاف بالله لومة لائم ينطق بكلمة الحق عند سلطان جائر ) بمليار مسلم من مسلميننا الذين خرسوا وبكموا امام فراعنة العصر حكام وسلاطين المسلمين .
سجل له التاريخ موقفه بأحرف من نور ... دون ان نعرف هذا الصغير العظيم من هو وما كان حاله لاحقاً
بينما الحجاج بن يوسف الثقفي جالساً في منظرة له و عنده وجوه أهل العراق أُتي بصبي يبلغ عمره بضع عشرة سنة و له ذؤابتان مرخيتان قد بلغتا خصره ، فلما أُدخل عليه لم يعبأ (يهتم ) بالحجاج و لم يكترث به ،
و إنما صار ينظر إلى بناء المنظرة و ما فيها من العجائب و يلتفت يميناً و شمالاً ثم اندفع يقول " أتبنون بكل ريعٍ آية تعبثون * و تتخذون مصانع لعلكم تخلدون"(الشعراء 128-129).
و كان الحجاج متكئاً فاستوى في مقعده ، و قال : يا غلام ، إني أرى لك عقلاً و ذهناً ، أحفظت القرآن ؟
قال : أو خفت عليه من الضياع حتى أحفظه ، و قد حفظه الله تعالى؟
قال : أفجمعت القرآن ؟
قال : أو كان مفرقاً حتى أجمعه ؟
قال : أو أحكمت القرآن ؟
قال : أوليس الله أنزله محكماً ؟
قال : أفاستظهرت القرآن ؟
قال : معاذ الله أن أجعله وراء ظهري .
فقال الحجاج و قد ثار غضباً : ويلك قاتلك الله ... ماذا أقول ؟
قال الغلام : الويل لك و لقومك ، قل أوعيت القرآن في صدرك ؟
فقال الحجاج فاقرأ شيئاً .
فاستفتح الغلام : أعود بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، "إذا جاء نصر الله و الفتح * و رأيت الناس (يخرجون من دين الله) أفواجا ".
فقال الحجاج : ويحك إنهم " يدخلون " .
فرد عليه الغلام قائلاً : كانوا يدخلون ، أما اليوم فصاروا يخرجون .
فقال الحجاج : و لمَ ؟
فقال الغلام : نعم شيطان ثقيف الحجاج .
قال الحجاج : ويلك من رباك ؟
قال الغلام : الذي زرعك .
قال الحجاج : فمن أمك ؟
قال الغلام : التي ولدتني .
قال الحجاج : فأين ولدت ؟
قال الغلام : في بعض الفلوات .
قال الحجاج : فأين نشأت ؟
قال الغلام في بعض البراري .
قال الحجاج : أمجنون أنت فأعالجك ؟
قال الغلام : لو كنت مجنوناً لما وصلت إليك و وقفت بين يديك كأنني ممن يرجو فضلك أو يخاف عقابك .
قال الحجاج : فما تقول في أمير المؤمنين ؟
قال الغلام : رحم الله أبا الحسن رضي الله عنه و أسكنه جنات خلده .
قال الحجاج : ليس هذا عنيت ، إنما أعني عبد الملك بن مروان .
قال الغلام : على الفاسق الفاجر لعنة الله .
فقال الحجاج : ويحك بمَ استحق اللعنة أمير المؤمنين ؟
قال الغلام : أخطأ خطيئة ملأت ما بين السماوات و الأرض .
قال الحجاج : ما هي ؟
قال الغلام : استعماله إياك على رعيته ، تستبيح أموالهم ، و تستحل دماءهم .
فالتفت الحجاج إلى جلسائه و قال : ما تشيرون في هذا الغلام ؟
قالوا : اسفك دمه فقد خلع الطاعة و فارق الجماعة .
فقال الغلام : يا حجاج ، جلساء أخيك فرعون خير من جلسائك ، حيث قالوا لفرعون عن موسى عليه السلام و أخيه " أرْجِهْ و أخاهُ " (الأعراف :111) و هؤلاء يأمرون بقتلي إذن و الله تقوم عليك الحجة بين يدي الله ملك الجبارين و مذل المستكبرين .
فقال له الحجاج : هذِّب ألفاظك و قصر لسانك ، فإني أخاف عليك بادرة الأمر ، و قد أمرت لك بأربعة آلاف درهم .
فقال الغلام لا حاجة لي بها .. بيَّضَ الله وجهك و أعلى كعبك .
فالتفت الحجاج إلى جلسائه و قال : هل علمتم ما أراد بقوله : بيض الله وجهك و أعلى كعبك ؟
قالوا : الأمير أعلم .
قال : أراد بقوله بيَّضَ الله وجهك العمى و البرص ، و بقوله : أعلى كعبك التعليق و الصلب.
ثم التفت إلى الغلام و قال له : ما تقول فيما قلت .
قال الغلام : قاتلك الله ما أفهمك !
فاستشاط الحجاج غضباَ و أمر بضرب عنقه ، و كان الرقَّاشيُ حاضراً فقال : أصلح الله الأمير ، هبه لي .
قال : هو لك ، لا بارك الله لك فيه .
فقال الغلام : و الله لا أرى أيكما أحمق من صاحبه ، الواهب أجلاً قد حضر ، أم المستوهب أجلاً لم يحضر ؟
فقال الرقَّاشيُ : استنقذتك من القتل و تكافئني بهذا الكلام ؟
فقال الغلام : هنيئاً لي الشهادة إن أدركتني السعادة ، و الله إن القتل في سبيل الله أحب إلي من إن أرجع إلى أهلي صُفْر اليدين .
فأمر له الحجاج بجائزة و قال : يا غلام قد أمرنا لك بمائة ألف درهم ، و عفونا عنك لحداثة سنك ، و صفاء ذهنك ، و حسن توكلك على الله ، و إياك و الجرأة على أرباب الأمر فتقع مع من لا يعفو عنك .
فقال الغلام : العفو بيد الله لا بيدك ، و الشكر له لا لك و لا جمع الله بيني و بينك ، ثم همَّ بالخروج فابتدره الغلمان .
فقال الحجاج : دعوه فوالله ما رأيت أشجع منه قلباً ، و لا أفصح منه لساناً ، و لعمري ما رأيت مثله قط ، و عسى هو لا يجد مثلي ، فإن عاش هذا الغلام ليكونن أعجوبة عصره.(1)
------------------------------
(1)من وصايا الرسول صلى الله عليه و سلم ص 411-413
اعتذر لاطالت القصه
اخوكم حمزه